عدنان بن عبد الله القطان

17 رجب 1443 هـ – 18 فبراير 2022 م

———————————————————————

الحمد لله رب العالمين، وفَّق من شاء لطاعته، فكان سعيهم مشكوراً، ثم أجزل لهم العطاء والمثوبة، فكان جزاؤهم موفوراً، نحمده سبحانه ونشكره ونتوب إليه ونستغفره إنه كان حليماً غفوراً، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يتم بنعمته الصالحات، ويجزل بفضله النعم، إنه كان لطيفاً خبيراً، ونشهد أن نبينا محمداً عبدُ الله ورسوله خير من صلى وصام، فكان عبداً شكوراً، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أزواجه أمهات المؤمنين وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، اتقوا الله حق تقاته، وعظّموه حق تعظيمه، واقدروه قدره، ولا تغتروا بحلمه، ولا تغرنكم الحياة الدنيا، ولا يغرنكم بالله الغرور، ومن العجيب حقًاً أن الإنسان منا كثيراً ما ينظر حوله وإلى أحوال الناس في العالم، فيجد أحوالاً عجيبة وغريبة، فهناك كفر وشرك وإلحاد وزندقة، ومعاصٍ وشذوذ ومجون، ودعارة وفسوق وفجور، وفساد وبذاءة وانحراف، وظلم وبغي وعدوان، ويتساءل المرء مندهشاً عن سر استمرار هذا الهذيان، وظهور المنكر وفشو الطغيان في بعض الأوطان، ويستعجل بعض الناس إهلاك العصاة وتدمير البغاة، ويتعجبون لماذا أبقى الله هؤلاء ولم يعاقبهم؟ ولم يعجل بالغضب ولا بالانتقام منهم، مع قدرته العظيمة على ذلك، فالله هو الحليم الصفوح عن الذنب مع القدرة على المؤاخذة به، فلا يمسه من الحلم لغوب، وما هذا الحلم الذي اتصف به إلا لاتصافه بصفة الرحمة التي هي صفة من صفاته؛ فثوابه أوسع من عقابه، ورحمته أعم وأشمل من نقمته، فرحمته وسعت كل شيء. تعم رحمته المخلوقات قاطبة؛ المطيع منهم والعاصي، فيحلم عليهم ويرحمهم؛ عسى أن يتوبوا ويعودوا؛ لأنه هو الغفور والحليم.

أيها المؤمنون: إن المؤمن حقاً لا يستغني بحال من الأحوال، ولا في زمن من الأزمان عن التعرف على الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته، ولا بد للمؤمن أن يعرف الأسماء والصفات الخاصة بالله تعالى، وأن يحصيها ويعمل بمقتضاها، وكلما ازدادت عبادة العبد بربه ازداد توحيده ويقينه في قلبه، وازداد توقيره وتعظيمه، وحبه وإجلاله.

 ونعيش اليوم معكم عباد الله مع اسم من أسماء الله الحسنى وهو الحليم: ويتضمن صفة عظيمة من صفاته ألا وهي (الحلم) والحلم لغة الأناة والتعقل ومعالجة الأمور بصبر وعلم وحكمة، والحليم سبحانه هو الصبور المتصف بالحلم، ذو الصفح والأناة، فيمهل ولا يعجل، يشاهد معصية العصاة، ويرى مخالفة الأمر، ثم لا يستفزه غضب، ولا يعتريه غيظ، لم يعاجل الكفار والمشركين بعذابٍ يستأصلهم، بل أمهلهم وتركهم، وهذا من صفات كماله، فحلمه سبحانه ليس لعجزه عنهم، بل إنه سبحانه يستر ويغفر، يفرح أشد الفرح بتوبة التائبين، يترك تعجيل عذابه عمن أشرك وكفر به من خلقه، لا يستفزّه غضب، ولا يستَخِفّهُ جهلُ جاهلٍ، ولا عصيانُ عاصٍ، فيعفو عن السيئات، ويتجاوز عن الزلات، يمهل عباده الطائعين ليزدادوا من الخير والثواب، ويمهل العاصين لعلهم يرجعون إلى الطاعة والصواب، ولو أنه عجّل لعباده الجزاء ما نجا أحد من العقاب، فسبحانه الحليم الغفور. ولذا لا يحمل الحليم على المسارعة إلى الانتقام مع غاية الاقتدار عجلةٌ وطيش، كما قال تعالى: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ) وقال سبحانه: (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً) وإن إمهال الحليم سبحانه للمجرمين والطغاة والعصاة في الدنيا فيه حِكَم بالغة، فلعل الله يُخرِج من ظهور هؤلاء مَنْ يؤمن به، ومَنْ يحمل راية الدين ويدافع عنه، وقد حدث هذا كثيراً في تاريخ الإسلام، فمِنْ ظَهْر أبي جهل جاء عكرمة، وأمهل الله خالد بن الوليد، فكان أعظمَ قائد في الإسلام. وتيقنوا عباد الله أن أعظم الحلم على الإطلاق هو حلم الله رب العالمين، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ أحَدٌ، أوْ لَيْسَ شَيْءٌ أصْبَرَ عَلَـى أذًى سَمِعَهُ مِنَ الله؛ إِنَّهُمْ لَيَدْعُونَ لَهُ وَلَداً، وَإِنَّهُ لَيُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ) فسبحان الحليم الكريم، العفو الرحيم.

أيها المؤمنون: لقد أثنى الله تبارك وتعالى على ذاته العلية، فوصف نفسه بأنه الحليم، قال الله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) وقال عز وجل: (لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ) فهو الحليم الذي لا يعجل بالعقوبة، لعل العبد المذنب أن يتوب أو يرجع. واعلموا عباد الله أن الله عز وجل يحب المحامد، ومن محامده جل شأنه أنه حليم، والحليم سبحانه هو الكريم الذي يدرّ على خلقه صنوف النعم الظاهرة والباطنة الغني عن عباده، فالله الكريم الحليم يرزق العاصي كما يرزق المطيع، ويقيته وهو منهمك في معاصيه، قال تعالى: (كُلاً نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً) فالله سبحانه استخلف الإنسان في أرضه، واسترعاه في ملكه، واستبقاه إلى يوم موعود وأجل محدود، وأغدق عليه من نعمه، بغض النظر عن عمله، مع كمال حلمه وعلمه، وهو صفح وإمهال مع القدرة، فإن الله قوي لا يعجزه شيء (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً) كما أن حلمه سبحانه ليس لحاجته إليهم، بل يحلم عنهم، ويصفح ويغفر مع استغنائه عنهم، قال تعالى: (وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ) فحلمه سبحانه ليس عن عدم علم بما يعمل العباد بل هو المطلع العليم الحليم، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً) واعلموا عباد الله أن من صور حلم الله وعفوه سبحانه أنه لا يؤاخذ عباده بلغوِ اليمين، الذي كثيراً ما يقع فيه المسلم، قال الحليم سبحانه: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) ومناسبة اقتران الغفور بالحليم هنا دون الرحيم؛ لأن مغفرة الحليم هنا لذنب يُشعِر  بالتقصير في الأدب مع الله تعالى، فلذلك وصف الله نفسه بالحليم، لا بالرحيم؛ لأن الحليم هو الذي لا يستفزه التقصير في جانبه، ولا يغضب للغفلة والزلة، ويقبل المعذرة. بينما الرحمة تكون للمحبوب الطائع، فسبحان من هذا كلامه، وهذا وصفه سبحانه. ولنتدبر في اقتران اسم الله الغني باسمه الحليم في آية الصدقة ففيه لطيفة عظيمة، قال تعالى: (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ) ففي ذلك سر بليغ ومعنى جميل وهو أنه سبحانه غني عن صدقات العباد، وما أمرهم به من الصدقة إنما هو لمصلحة تعود إليهم، ولا يقبل الصدقة التي يتبعها المن والأذى، فهو غني لا يُحوِج الفقراء إلى تحمُّل مئونة المن والأذى، ويرزقهم من غير طريق الصدقات التي يتبعها أذى، فسبحان الحليم الذي لا يعجل بالعقوبة.

أيها الأخوة والأخوات في الله: تخيلوا لو أن الله عجَّلَ العقاب لكل مذنب حين يقع في ذنب؛ وبهذا يحرم العباد من حلم الله عز وجل، وكذلك لو أنه أخَّر العذاب، وأراد بعد تأخيره أن يُنزِل بالعاصي أشد العذاب، فإن هذه الحالة يسميها العلماء: حقداً، وحاشا لله، فالله يؤخر العقاب ليُعطي هذا الإنسان فُرصةً ليعود لا ليشدد الانتقام عليه، وهذا هو الحلم.

فما أحلم الله على العصاة من عباده! وما أجهل البشر بأسماء الله وصفاته، وعن رحمته وحلمه، فالله يريد للناس الرحمة والإمهال، ولكن الحمقى والقساة والجهال منهم يرفضون تلك الرحمة وذلك الإمهال، حتى يسألوا الله أن يعجل لهم العذاب والنقمة، كما قال سبحانه عن كفار مكة: (وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) وكان الصواب أن يقولوا: إن كان هذا الذي جاء به محمد هو الحق فاهدنا له، بدل أن يقولوا: أنزل علينا حجارة، نسأل الله العافية.

أيها المؤمنون: اعلموا أن الحليم سبحانه هو الذي يؤخر العقوبة عن الطغاة في الدنيا فقط، وأما في الآخرة فلا يخفّف عنهم العذاب ولا هم ينظرون، بل يجزون بأعمالهم، ويعاقبون على ذنوبهم، إلا أنه يُرفع العذاب عمن شاء الله من عصاة المؤمنين.

وثقوا عباد الله أنه لولا حلم الله عن الجناة، ومغفرته للعصاة، لما استقرت البحار والسموات والأرض لغضبهما وحنَقهما على العصاة، لما يحصل من شدة الكفر وعظيم الجرائم، ومن ذلك قال تعالى: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً، لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا، تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا، أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا) فإن السموات والأرض تهمُّ وتستأذن بالزوال لعظم ما يأتي به العباد من الكفر والفسوق والعصيان، فيمسكهما الله بحلمه ومغفرته، كما قال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً) فلو شاء لعاجل العصاة بالعقوبة، فأذن للسماء فحصبتهم، وأذن للأرض فابتلعتهم، ولكنه سبحانه حليم يمسك بقدرته وحلمه وصبره.

عباد الله: إن اتصاف الله بالحلم يفتح باب الرجاء للعبد ويعظم من شأنه، ويقضي على اليأس والقنوط من رحمة الله، فتزداد ثقته بالله، ويقينه بالله، ورجاه إياه.. إن اتصاف الله بأنه الحليم يجعل العاقل يشرع في التوبة؛ لأنه يعلم أن الحليم إذا غضب لم يقف لغضبه شيء؛ لأن حلمه صادر من قوة وقدرة وعلم وإحاطة، فإذا رفع حلمه عمن لا يستحق الحلم ولا الرحمة، وأمهل وزيد في المهلة وكررت له المهلة؛ عندئذ يرتفع الحلم عنه، كما فعل الله بأشياعهم، قال تعالى: (فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ)  وقال تعالى: (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ) سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، وعلى عفوك بعد قدرتك.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد فيا أيها المسلمون: اعلموا رحمكم الله أن الحِلم إذا وصف به العبد فهو حارس أمين، يحول دون حماقات كبيرة، قد ترتكس فيها الأفراد والجماعات، وصمام أمان لنتائج وخيمة قد تصل إليها، والعكس صحيح؛ إذ قد يكون الحِلم سبباً ليكون العبد هادياً وداعياً إلى الله سبحانه، والحِلم خُلق محبوب؛ إذ كاد الحليم أن يكون نبيًّاً، وقد قيل: الحلم سيد الأخلاق… عباد الله: ينبغي للمسلم أن يسعى إلى الاتصاف بالحلم، حتى يكون واقعاً عمليًّاً في حياته من خلال تعاملاته مع الأهل، والإخوان والأصحاب والجيران، وجميع المسلمين، والطريق لاكتساب صفة الحلم أن يتفكر العبد في حلم الله على عباده، واعلموا أن الحلم يُكتسب بالتحلم، يقول صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ وَالْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ وَمَنْ يَتَحَرَّى الْخَيْرَ يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَوَقَّى الشَّرَّ يُوقِهِ) والتحلم عباد الله هو السعي لكسر جماح النفس، حتى لا تَردّ السيء بالمثل، ومحاولة التعامل مع المواقف السيئة، بنوع من اللطف والهدوء والرفق واللين حتى يصبح ذلك طبعاً في النفس يحدث دون تكلف أو ادعاء.

واعلموا أيها الأخوة أن الحلم صفة تُكسِبُ المرء محبة الله في الدنيا، ورضوانه في الآخرة، وهو دليلٌ على كمال عقل العبد، وسعة صدره وهدوئه وقدرته على امتلاك نفسه وتزكيتها، فالحلم خُلُقٌ عظيم يحبه الله ورسوله، كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلأَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ: (إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ: الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ) واعلموا عباد الله أن هناك وسائل تعين الإنسان على أن يكون حليماً، ومن ذلك: أن يكون المسلم رحيماً بالجاهل؛ فمن أوكد الحلم رحمة الجاهل، وأن يعفو عن المسيء مع القدرة على الانتصار، وهذا يدل على الحلم وسعة الصدر..  وعلى المسلم كذلك أن يترفع عن السباب، فذلك من شرف النفس وعلو الهمة، وعليه ألا يستهين بالمسيء ولا يحتقره؛ لأن هذا قد يؤدي إلى نوع من الكبر والعجب.. وكذا عباد الله من أسباب كون الإنسان حليماً أن يكرم الآخرين، وأن يصون لسانه، ويترفع عن أن يرد الأذى بالأذى، وقد حُكي عن الأحنف بن قيس أنه قال: ما عاداني أحدٌ قط إلا أخذت في أمره بإحدى ثلاث خصال: إن كان أعلى مني عرفت له قدره، وإن كان دوني رفعت قدري عنه، وإن كان نظيري تفضلت عليه)..

ومن وسائل نيل الحلم عباد الله الحزم وقطع السباب، قال الشعبي: ما أدركت أمي فأبرّها، ولكن لا أسبّ أحداً فيسبّها. وقال بعض الحكماء: في إعراضك صونُ أعراضك.. ومن آكد طرق نيل الحلم وتحصيله: الخوف من عقوبة الله عز وجل، فقد قيل: (الحلم حجاب الآفات). وكذا الوفاء بالعهد وحسن الخلق، وإن كان من أساء إليك له مكرمة سالفة عليك، فعليك أن ترعاها له، وتتغاضى عن خطأه وفاءً له. فكن عبد الله حكيماً في التعامل مع الأمور، واعلم أنك إذا سكت عن الجاهل فقد أوسعته جواباً، وأوجعته عقاباً. وفي الختام عباد الله ما أجمل الحلم، وكظم الغيظ، وضبط النفس، فكم من بيوت خُربت بسبب الطيش والعجلة! وكم من أرحام قُطعت! وكم من سجين في غياهب السجون أضرته العجلة ونسيان الحلم! وكم من علاقات قُطعت! ودماء سُفكت بسبب الحمق وعدم الحلم! وكم، وكم، وكم في الحياة من بلايا سببها عدم الحلم وقلة الصبر، فسبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، وعلى عفوك بعد قدرتك. (اللهم أغننا بالعلم وزينا بالحلم وأكرمنا بالتقوى وجملنا بالعافية)

اللهمَّ إنا نسألُك العفوَ والعافيةَ، في الدنيا والآخرةِ، اللهمَّ إنا نسألُك العفوَ والعافيةَ، في دِيننا ودنيانا وأهلنا ومالنا، اللهمَّ استُرْ عوراتنا، وآمِنْ روعاتنا، واحفظنا من بين أيدينا، ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا، ومن فوقنا، ونعوذُ بك أن نْغتَالَ من تحتنا. اللَّهمَّ رحمتَك نرجو فلا تَكِلنا إلى أنفسنا طرفةَ عينٍ، وأصلِح لنا شَأننا كلَّه لا إلَه إلَّا أنتَ.

 اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.

اللهم أحفظ بلادنا البحرين وبلاد الحرمين الشريفين، وخليجنا، واجعله آمناً مطمئناً سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين. اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى، وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، اللهم أعنهم على أمور دينهم ودنياهم.  وهيئ لهم من أمرهم رشداً، وأصلح بطانتهم ومستشاريهم ووفقهم للعمل الرشيد، والقول السديد، ولما فيه خير البلاد والعباد إنك على كل شيء قدير.. اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان ناصراً ومؤيداً ومعيناً.

اللهم أحفظ بيت المقدس والمسجد الأقصى وأهله، واجعله شامخاً عزيزاً عامراً     بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين.

اللهم بارك لنا فيما تبقى من رجب وبلغنا شعبان ورمضان ونحن في أحسن حال وارفع عنا الوباء والأذى والوباء يارب العالمين.

اللهم وفِّقنا للتوبة والإنابة، وافتح لنا أبواب القبول والإجابة، اللهم تقبَّل طاعاتنا، ودعاءنا، وأصلح أعمالنا، وكفِّر عنا سيئاتنا، وتب علينا، واغفر لنا ولوالدينا ولموتانا وموتى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.

الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

    

         خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين